بلغ التقليد لمذهب مالك واتباع أقواله وأقوال المالكية مبلغا فى عهد المرابطين حتى أفضى ذلك بهم إلى التعصب وتحريم أى مذهب غير المذهب المالكى ، وتحول الأمر من مرحلة التنظير بين العلماء إلى مرحلة التطبيق فنجد على بن يوسف بن تاشفين لم يقرب منه سوى من كان عنده علم بفروع مذهب مالك ، فازدهرت فى عهده كتب المذهب ونبذ ما سواها ، ونسى النظر فى كتاب الله وحديث رسول الله ( 1) ، ولقد تعرض أهل الظاهر فى عهده للاضطهاد والتنكيل لرفضهم الاعتماد على مذهب مالك ، ودعوتهم للاجتهاد واستنباط الأحكام من القرآن والسنة ، ومن هؤلاء الفقيه محمد بن أحمد بن يحيى الأنصارى الخزرجى الميورقى الأصل ، الذى ضرب بالسوط بأمر على بن يوسف ، وسجن وقتا ثم سرحه بعد فترة (2 ).
وفى عهد تاشفين بن على بن يوسف بن تاشفين نراه يتابع سياسة أبيه فيرسل رسالة إلى والى بلنسية وقاضيها وسائر الفقهاء والوزراء والصلحاء ببلنسية يدعوهم إلى الاقتصار فى الأحكام والفتوى والشورى على مذهب مالك بن أنس ، ومن يعمل بغير ذلك فقد اتبع الهوى ( 3) .
لقد كان لهذه السياسة الرسمية من قبل الدولة أثر على فقهاء المالكية الذين اتفقوا فيما بينهم فى عهد المرابطين على أن اعتقاد الظاهرية وإنكار القياس جرحة وبدعة ( 4)
ـــــــــــــــــــــــ
(1 ) عبدالواحد المراكشى ، المعجب ، ص151.
(2 ) كان الميورقى فقيها ظاهريا محدثا عارفا بالحديث وعلله وأسماء الرجال ، توفى سنة 537هـ . أنظر ابن الخطيب ، الإحاطة ، تحقيق محمد عبدالله عنان ، مكتبة الخانجى ، 1395هـ/1975م ، 3/191،190.
(3 )حسين مؤنس، نصوص سياسيةعن فترة الانتقال من المرابطين إلى الموحدين، مكتبة الثقافة الدينية،القاهرة،ط1،1420هـ/2000م ، ص20.
(4 ) الونشريسى ، المعيار، 2/341.